فصل: تفسير الآيات (100- 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (96- 99):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)}
الورد قال ابن السكيت: هو ورود القوم الماء، والورد الإبل الواردة انتهى. فيكون مصدراً بمعنى الورود، واسم مفعول في المعنى كالطحن بمعنى المطحون.
رفد الرجل يرفده رفاً ورفداً أعطاه وأعانه، من رفد الحائط دعمه، وعن الأصمعي الرفد بالفتح القدح، والرفد بالكسر ما في القدح من الشراب. وقال الليث: أصل الرفد العطاء والمعونة، ومنه رفادة قريش يقال رفده يرفده رفداً ورفداً بكسر الراء وفتحها، ويقال بالكسر الاسم وبالفتح المصدر.
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود}: الآيات المعجزات التسع: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ومنهم من أبدل النقص بإظلال الجبل. وقيل: الآيات التوراة، وهذا ليس بسديد، لأنه قال إلى فرعون وملائه، والتوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وملائه. والسلطان المبين هو الحجج الواضحة، ويحتمل أن يريد بقوله: وسلطان مبين فيها أي في الآيات، وهي دالة على صدق موسى عليه السلام. ويحتمل أن يريد بها العصا لأنها أبهر تلك الآيات، فنص عليها كما نص على جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة على سبيل التشريف بالذكر. والظاهر أن يراد بقوله: أمر فرعون أمره إياهم بالكفر وجحد معجزات موسى، ويحتمل أن يريد الطريق والشان. وما أمر فرعون برشيد: نفى عنه الرشد، وذلك تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل. وذلك أنه ادعى الإلهية وهو بشر مثلهم. عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليه السلام، وعلموا أن معه الرشد والحق، ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في اتباعه رشد. ويحتمل أن يكون رشيد بمعنى راشد، ويكون رشيد بمعنى مرشد أي بمرشد إلى خير. وكان فرعون دهرياً نافياً للصانع والمعاد، وكان يقول: لا إله للعالم، وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم، فلذلك كان أمره خالياً عن الرشد بالكلية. والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى، والغي ضده. ويقال: قدم زيد القوم يقدم قدماً، وقدوماً تقدمهم والمعنى: أنه يقدم قومه المغرقين إلى النار، وكما كان قدوة في الضلال متبعاً كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه، ويحتمل أن يكون قوله: برشيد بحميد، العاقبة، ويكون قوله: يقدم قومه، تفسيراً لذلك وإيضاحاً أي: كيف يرشد أمر من هذه عاقبته؟ وعدل عن فيوردهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة، فكأنه قد وقع، ولما في ذلك من الإرهاب والتخويف. أو هو ماض حقيقة أي: فأوردهم في الدنيا النار أي: موجبه وهو الكفر.
ويبعد هذا التأويل الفاء والورود في هذه الآية. ورود الخلود وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله: {ولما ورد ماء مدين} ويحتمل أن تكون النار تصيبه على إعمال الثاني لأنه تنازعه يقدم أي: إلى النار وفأوردهم، فأعمل الثاني وحذف معمول الأول. والهمزة في فأوردهم للتعدية، ورد يتعدى إلى واحد، فلما أدخلت الهمزة تعدى إلى اثنين، فتضمن وارداً وموروداً. ويطلق الورد على الوارد، فالورد لا يكون المورود، فاحتيج إلى حذف ليطابق فاعل بئس المخصوص بالذم، فالتقدير: وبئس مكان الورد المورود ويعني به النار. فالورد فاعل ببئس، والمخصوص بالذم المورود وهي النار. ويجوز في إعراب المورود ما يجوز في زيد من قولك: بئس الرجل زيد، وجوز ابن عطية وأبو البقاء أن يكون المورود صفة للورد أي: بئس مكان الورد المورود النار، ويكون المخصوص محذوفاً لفهم المعنى، كما حذف في قوله: {فبئس المهاد} وهذا التخريج يبتني على جواز وصف فاعل نعم وبئس، وفيه خلاف. ذهب ابن السراج والفارسي إلى أن ذلك لا يجوز، وقال الزمخشري: والورد المورود الذي وردوه شبهه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء، وشبه اتباعه بالواردة، ثم قيل: بئس الورد الذي يردونه النار، لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد، والنار ضده انتهى. وقوله: والورد المورود إطلاق الورد على المورود مجاز، إذ نقلوا أنه يكون صدراً بمعنى الورود، أو بمعنى الواردة من الإبل وتقديره: بئس الورد الذي يردونه النار، يدل على أنّ المورود صفة للورد، وأن المخصوص بالذم محذوف، ولذلك قدّره النار. وقد ذكرنا أن ذلك يبتني على جواز وصف فاعل بئس ونعم. وقيل: التقدير بئس القوم المورود بهم هم، فيكون الورد عنى به الجمع الوارد، والمورود صفة لهم، والمخصوص بالذم الضمير المحذوف وهو هم، فيكون ذلك ذماً للواردين، للا ذماً لموضع الورود. والإشارة بقوله: في هذه إلى الدنيا وقد جاء مصرحاً بها في قصة هود، ودل عليها قوله: ويوم القيامة، لأنه الآخرة. فيوم معطوف على موضع في هذه، والمعنى: أنهم ألحقوا لعنة في الدنيا وفي الآخرة. قال الكلبي: في هذه لعنة من المؤمنين أو بالغرق، ويوم القيامة من الملائكة أو بالنار. وقال مجاهد: فلهم لعنتان، وذهب قوم إلى أنّ التقسيم هو أنّ لهم في الدنيا لعنة، ويوم القيامة يرفدون به فهي لعنة واحدة أولاً، وقبح ارفاداً آخراً انتهى. وهذا لا يصح لأنّ هذا التأويل يدل على أنّ يوم القيامة معمول لبئس، وبئس لا يتصرف، فلا يتقدم معمولها عليها، فلو تأخر يوم القيامة صح كما قال الشاعر:
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ** دعيت نزال ولج في الذعر

وقال الزمخشري: بئس الرفد المرفود رفدهم، أي: بئس العون المعان، وذلك أنّ اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له، وقد رفدت باللعنة في الآخرة. وقيل: بئس العطاء المعطى انتهى. ويظهر من كلامه أنّ المرفود صفة للرفد، وأنّ المخصوص بالذم محذوف تقديره: رفدهم، وما ذكر من تفسيره أي بئس العون المعان هو قول أبي عبيدة، وسمى العذاب رفداً على نحو قولهم: تحية بينهم ضرب وجيع. وقال الكلبي: الرفد الرفادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار.

.تفسير الآيات (100- 101):

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)}
التتبيب التخسير، تب خسر، وتبه خسره. وقال لبيد:
ولقد بليت وكل صاحب جدة ** يبلى بعود وذاكم التتبيب

{ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب}: الإشارة بذلك إلى ما تقدم من ذكر الأنبياء وقومهم، وما حل بهم من العقوبات أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى. ويحتمل أن يعني بالقرى قرى أولئك المهلكين المتقدم ذكرهم، وأن يعني القرى عموماً أي: هذا النبأ المقصوص عليك هو ديدن المدن إذ كفرت، فدخل المدن المعاصرة. والضمير في منها عائد على القرى. قال ابن عباس: قائم وحصيد عامر كزغر وداثر، وهذا على تأويل عموم القرى. وقال قتادة وابن جريج: قائم الجدران ومنهدم، وهذا على تأويل خصوص القرى، وأنها قرى أولئك الأمم المهلكين، وقال الزمخشري: بعضها باق وبعضها عافى الأثر كالزرع القائم على ساقه، والذي حصد انتهى. وهذا معنى قول قتادة، قال قتادة: قائم الأثر ودارسه، جعل حصد الزرع كناية عن الفناء قال الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم ** كالزرع منه قائم وحصيد

وقال الضحاك: قائم لم يخسف، وحصيد قد خسف. وقال ابن إسحاق: قائم لم يهلك بعد، وحصيد قد أهلك. وقيل: قائم أي باق نسله، وحصيد أي منقطع نسله. وهذا يتمشى على أن يكون التقدير ذلك من أنباء أهل القرى. وقد قيل: هو على حذف مضاف أي: من أنباء أهل القرى، ويؤيده قوله: وما ظلمناهم، فعاد الضمير على ذلك المحذوف. وقال الأخفش: حصيد أي محصود، وجمعه حصدى وحصاد، مثل: مرضى ومراض، وباب فعلى جمعاً لفعيل بمعن مفعول، أن يكون فيمن يعقل نحو: قتيل وقتلى. وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما محل هذه الجملة؟ قلت: هي مستأنفة لا محل لها انتهى. وقال أبو البقاء: منها قائم ابتداء، وخبر في موضع الحال من الهاء في نقصه، وحصيد مبتدأ خبره محذوف أي: ومنها حصيد انتهى. وما ذكره تجوز أي: نقصه عليك وحال القرى ذلك، والحال أبلغ في التخويف وضرب المثل للحاضرين أي: نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحال يشاهدون فعل الله بها. وما ظلمناهم أي: بإهلاكنا إياههم، بل وضعنا عليهم من العذاب ما يستحقونه، ولكن ظلموا أنفسهم بوضع الكفر موضع الإيمان، وارتكاب ما به أهلكوا. والظاهر أنّ قوله: فما أغنت، نفي أي، لم ترد عنهم من بأس الله شيئاً ولا أجدت. يدعون حكاية حال أي: التي كانوا يدعون، أي يعبدون، أو يدعونها اللات والعزى وهبل. قال الزمخشري: ولما منصوب بما أغنت انتهى.
وهذا بناء على أنّ لما ظرف، وهو خلاف مذهب سيبويه، لأنّ مذهبه أنها حرف وجوب لوجوب. وأمر ربك هو عذابه ونقمته. وما زادوهم عومل معاملة العقلاء في الإسناد إلى واو الضمير الذي هو لمن يعقل، لأنهم نزلوهم منزلة العقلاء في اعتقادهم أنها تنفع، وعبادتهم إياهم. والتتبيب التخسير. قال ابن زيد: الشر، وقال قتادة: الخسران والهلاك، وقال مجاهد: التخسير، وقيل: التدمير. وهذه كلها أقوال متقاربة. قال ابن عطية: وصورة زيادة الأصنام التتبيب، إنما هو يتصور بأنّ تأميلها والثقة بها والتعب في عبادتها شغلت نفوسهم عن النظر في الشرع وعاقبته، فلحق من ذلك عقاب وخسران. وأما بأن عذابهم على الكفر يزاد به عذاب على مجرد عبادة الأوثان.

.تفسير الآيات (102- 105):

{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)}
الشقاء نكد العيش. وسوؤه. يقال منه: شقي يشقى شقاء وشقوة وشقاوة والسعادة ضده، يقال منه: سعد يسعد، ويعديان بالهمزة فيقال: أشقاه الله، وأسعده الله. وقد قرئ شقوا وسعدوا بضم الشين والسين، فدل على أنهما قد يتعدّيان. ومنه قولهم مسعود، وذكر أنّ الفراء حكى أن هذيلاً تقول: سعده الله بمعنى أسعده. وقال الجوهري: سعد بالكسر فهو سعيد، مثل سلم فهو سليم، وسعد فهو مسعود. وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري: ورد سعده الله فهو مسعود، وأسعده الله فهو مسعد.
{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد}: أي ومثل ذلك الأخذ أخذ الله الأمم السابقة أخذ ربك. والقرى عام في القرى الظالمة، والظلم يشمل ظلم الكفر وغيره. وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة. وأما الظلمة في الغالب فمعاجلون، وفي الحديث: «إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذاً. وقرأ أبو رجاء والجحدري: وكذلك أخذ ربك، إذ أخذ على أنّ أخذ ربك فعل وفاعل، وإذ ظرف لما مضى، وهو إخبار عما جرب به عادة الله في إهلاك من تقدم من الأمم. وقرأ طلحة بن مصرف: وكذلك أحذ ربك هذا أخذ. قال ابن عطية: وهي قراءة متمكنة المعنى، ولكن قراءة الجماعة تعطي الوعيد واستمراره في الزمان، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي، والقرى مفعول بأخذ على الإعمال إذ تنازعه المصدر وهو: أخذ ربك، وأخذ، فاعمل الثاني وهي ظالمة جملة حالية إن أخذه أليم موجع صعب على المأخوذ. والأخذ هنا أخذ الإهلاك.
إنّ في ذلك أي: فيما قص الله من أخبار الأمم الماضية وإهلاكهم لآية لعلامة لمن خاف عذاب الآخرة، أي: إنهم إذا عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهم الأنبياء وإشراكهم بالله، وهي دار العمل فلأن يعذبوا على ذلك في الآخرة التي هي دار الجزاء أولى، وذلك أنّ الأنبياء أخبروا باستئصال من كذبهم، وأشركوا بالله. ووقع ما أخبروا به وفق إخبارهم، فدل على أنّ ما أخبروا به من البعث والجزاء صدق لا شك فيه. قال الزمخشري: لآية لمن خاف لعبرة له، لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وما هو إلا أنموذج مما أعد لهم في الآخرة، فإذا رأى عظمته وشدته اعتبر به من عظيم العذاب الموعود فيكون له عظة وعبرة ولطفاً في زيادة التقوى والخشية من الله ونحوه: إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَى ذلك إشارة إلى يوم القيامة الدال عليه قوله عذاب الآخرة والناس مفعول لم يسم فاعله رافعه مموع وأجاز ابن عطية أن يكون الناس مبتدأ ومجموع خبر مقدم وهو بعيد لإفراد الضمير في مجموع وقياسه على إعرابه مجموعون ومجموع له الناس عبارة عن الحشر ومشهود عام يشهده الأولون والآخرون من الإنس والجن والملائكة والحيوان في قول الجمهور
وقال الزمخشري (فإن قلت) أي فائدة في أن أوثر اسم المفعول على فعله (قلت) لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه لابد أن يكون ميعاد مضروباً لجمع الناس له وأنه هو الموصوف بذلك صفة لازمة وهو أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه وفيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل ومعنى مشهود مشهود فيه فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به على السعة لقوله
ويوماً شهدناه سليماً وعامراً
والمعنى يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد ومنه قولهم لفلان مجلس مشهود وطعام محضور وإنما لم يجعل اليوم مشهوداً في نفسه كما قال فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ لأن الغرض وصف ذلك اليوم بالهول والعظم وغيره من بين الأيام وكونه مشهوداً في نفسه لا يميزه إذ هو موافق لسائر الأيام في كونها مشهودة وما نؤخره أي ذلك اليوم وقيل يعود على الجزاء قاله الحوفي إلا لأجل معدود أي لقضاء سابق قد نفذ فيه بأجل محدود لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه وقرأ الأعمش وما يؤخره بالياء وقرأ النحويان ونافع يأتي بإثبات الياء وصلاً وحذفها وقفاً وابن كثير بإثباتها وصلاً ووقفاً وهي ثابتة في مصحف أبيّ وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلاً ووقفاً وسقطت في مصحف الإمام عثمان وقرأ الأعمش يأتون وكذا في مصحف عبد الله وإثباتها وصلاً ووقفاً هو الوجه ووجه حذفها في الوقف التشبيه بالفواصل وقفاً ووصلاً التخفيف كما قالوا لا أدرِ ولا أبالِ وذكر الزمخشري أنّ الاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل وأنشد الطبري
كفاك كف ما يليق درهما
جود وأخرى تعط بالسيف الدما
والظاهر أنّ الفاعل بيأتي ضمير يعود على ما عاد عليه الضمير في نؤخره وهو قوله ذلك يوم والناصب له لا تكلم والمعنى لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بإذن الله وذلك من عظم المهابة والهول في ذلك اليوم وهو نظير لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ هو ناصب كقوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً والمراد بإتيان اليوم إتيان أهواله وشدائده إذ اليوم لا يكون وقتاً لإتيان اليوم
وأجاز الزمخشري أن يكون فاعل يأتي ضميراً عائداً على الله قال كقوله هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ وجاء ربك ويعضده قراءة وما يؤخره بالياء وقوله بِإِذْنِهِ وأجاز أيضاً أن ينتصب يوم يأتي باذكر أو بالانتهاء المحذوف في قوله إلا لأجل معدود أي ينتهي الأجل يوم يأتي وأجاز الحوفي أن يكون لا تكلم حالاً من ضمير اليوم المتقدم في مشهود أو نعتاً لأنه نكره والتقدير لا تكلم نفس فيه يوم يأتي إلا بإذنه وقال ابن عطية لا تكلم نفس يصح أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في يأتي وهو العائد على قوله ذلك يوم ويكون على هذا عائد محذوف تقديره لا تكلم نفس فيه إلا بإذنه ويصح أن يكون قوله لا تكلم نفس صفة لقوله يوم يأتي أو يوم يأتي يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلازم والتساؤل والتجادل فإما أن يكون بإذن الله وإما أن يكون هذه مختصة هنا في تكلم شفاعة أو إقامة حجة انتهى وكلامه في إعراب لا تكلم كأنه منقول من كلام الحوفي وقيل يوم القيامة يوم طويل له مواقف ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم والضمير في منهم عائد على الناس في قوله مجموع له الناس وقال الزمخشري الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا إلا أن ذلك معلوم ولأنّ قوله لا تكلم نفس يدل عليه وقد مرّ ذكر الناس في قوله مجموع له الناس وقال ابن عطية فمنهم عائد على الجميع الذي تضمنه قوله نفس إذ هو اسم جنس يراد به الجميع انتهى قال ابن عباس الشقي من كتبت عليه الشقاوة والسعيد الذي كتبت له السعادة وقيل معذب ومنعم وقيل محروم ومرزوق وقيل الضمير في منهم عائد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.ذكره ابن الأنباري